بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 سبتمبر 2011

العالم يفقد رائد وفقيه الإقتصاد الإسلامي الكويتي ( العم أحمد بزيع الياسين )


الرئيس المؤسس "لبيتك" والعديد من الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية في العالم
رحل العم أحمد البزيع الياسين عن دنيانا الفانية، وقد تحول حلمه الذي قضي جل عمره مع مجموعة من رفاق دربه يجتهدون في العمل على تحقيقه، إلى واقع ملموس وحقيقة راسخة حيث تحول بيت التمويل الكويتي من مصرف بفرع واحد عند تأسيسه في رمضان 1398 هجري الموافق 31/8/  1978م، إلى بنك عالمي بأكثر من 250 فرعا في عدد من دول العالم، وأصبح الاقتصاد الاسلامى لغة ومفاهيم عالمية معروفة ومتداولة بين العامة وفى أسواق المال المختلفة بعد أن ظلت عقودا حبيسة الكتب، وأدراج المكتبات ، فأصبح العالم يتحدث الآن عن المرابحة والصكوك والإجارة والمشاركة وغيرها من المعاملات المالية الشرعية ، بل ويرى في الاقتصاد الاسلامى طوق نجاة من أزمات عاصفة لا تكاد تمر فترة إلا وتعصف بمقدرات الشعوب وإمكانات الدول كبيرها وصغيرها .

ولد أحمد بزيع الياسين في 6 من شوال 1346 هـ الموافق الثامن والعشرين من مارس عام 1928م، في حي القناعات وسط الكويت، يوم موقعة الرقعي الشهيرة، ونشأ في أسرة محافظة متدينة، وكان جده ياسين محمد القناعي يمتلك سفينة شراعية - وكان هو ربانها- لنقل الحجاج من الكويت والخليج العربي إلى ميناء جدة في المملكة العربية السعودية.
أما والده فقد عمل في تجارة الإبل، وكانت لديه حملة للحج حتى عام 1945م، وكان كثير الأسفار بين الكويت والشام والسعودية على ظهور الإبل وكان ابنه المغفور له أحمد البزيع قد شارك معه في تلك الرحلات.
المدرسة المباركية:التحق العم أحمد بزيع بالمدرسة المباركية عام 1937م، فكان من الأجيال المتقدمة فيها، ساعده في ذلك حصيلة جيدة من التعليم استقاها من الكُتاب، حتى إنه حين دخل الابتدائية واختبره ناظر المدرسة الأستاذ أحمد أفندي نقله إلى الصف الرابع متوسط مباشرة، وبقي فيها إلى عام 1942م، حيث حصل على شهادة الصف الثاني الثانوي، ولم يكن بالمدرسة المباركية صف للثالث الثانوي آنذاك.
نبوغه العلمي:وبدت مظاهر النبوغ عند أحمد البزيع في وقت مبكر، فمما روي عنه أنه عندما كان في المرحلة الابتدائية عجز طلاب الصف السادس عن حل مسألة رياضية، وكان البزيع وقتها في الصف الرابع، فاستدعاه المدرس -الأستاذ جابر حديد- فوفقه الله لحل المسألة، مما يشير إلى بروز ملامح الشخصية الاقتصادية فيه في تلك الفترة المبكرة، كما كان يميل إلى اللغة العربية والتاريخ والأدب، ويحفظ بعض الأشعار التي تتغنى بالتاريخ الإسلامي والعربي.
وكان من بين زملائه في المدرسة المباركية الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله، وعبدالرحمن سالم العتيقي، ومحمد يوسف العدساني، وعبدالله سلطان الكليب،أحمد الخطيب،خالد عيسى الصالح،إبراهيم آل عبدالرزاق، جاسم القطامي، عبدالعزيز الخالد، يعقوب القطامي، صالح شهاب، سليمان حسين البدر وغيرهم كثيرون من الشخصيات المؤثرة في تاريخ الكويت المعاصر.
ومن الشخصيات التي تلقى العلم على يدها أحمد البزيع الملا بلال أستاذه الأول في الكُتاب، والأستاذ عبدالملك الصالح، والأستاذ عبدالله النوري، والداعية الدكتور بدر المتولي عبدالباسط، وعبدالعزيز العلي المطوع رحمهم الله جميعاً.
رحلة الكفاح قبل تأسيس "بيتك":بدأ أحمد البزيع حياته العملية بعد تخرجه في الصف الثاني الثانوي عام 1942م - وهو الصف الأخير في المدرسة المباركية- حيث عمل كاتب حسابات عند أحد التجار، وهو المغفور له العم سليمان إبراهيم المسلم -أحد المؤسسين لغرفة تجارة وصناعة الكويت- وذلك لأربع سنوات ، فاستفاد خبرة واسعة في التجارة والإدارة وتعرف على طرق المراسلات التجارية، وبعدها توجه بطلب من خاله المغفور له عبدالعزيز العلي المطوع وهو من أكثر الشخصيات التي أثرت في حياة أحمد البزيع إلى لبنان وقضى هناك عامين، حيث كان للمطوع مكتب في بيروت مختص بالأقمشة والصيرفة، ثم انتقل للعمل في المملكة العربية السعودية لمدة 6 سنوات لإدارة الشئون التجارية لخاله عبدالعزيز العلي المطوع، وقد عرضوا عليه تأسيس فرع لأحد البنوك التقليدية الكويتية في الخبر لكنه رفض العمل في بنك يتعامل بمعاملات لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقدر الله له أن يعيش حتى عام 2009 والذي تم فيه تأسيس بيت التمويل السعودي الكويتي في مدينة الخبر أيضاً وكان يقول: أحمد الله أنني عشت حتى رأيت أحد الأحلام التي كنت أتمنى تحقيقها.
وبعد ذلك قابله المغفور له العم يوسف عبدالعزيز الفليج -أحد أعمدة الاقتصاد الكويتي المعاصر- عند مسجد السوق وقال له: " يا أحمد الآن عليك خدمة وطنك بعد هذه الغيبة في الخارج" فأثرت فيه تلك الكلمات وبدأ للالتفات إلى الاقتصاد الوطني حيث انضم في 1970م إلى غرفة تجارة وصناعة الكويت، إلى جانب العضوية في مجلس إدارة بنك الكويت المركزي، وعندما أسندت إليه الفائدة البنكية ضمن اختصاصاته في "المركزي" قدم استقالته وانطلق لتحقيق حلمه في تأسيس بيت التمويل الكويتي فوفقه الله إلى ذلك وكان من بين أبرز المساهمين في تأسيس "بيتك" إلى جانب أحمد البزيع:بدر عبدالمحسن المخيزيم، عبدالرحمن سالم العتيقي، المغفور له عبدالله العلي المطوع، المغفور له د.عيسى عبده، العم يوسف الحجي.
مبادرات عملية :حاول في فترة السبعينيات تأسيس شركة أو بنك على المنهج الإسلامي، وكان دافعه لهذه الاستجابة لأمر الله تعالى بالابتعاد عن حرمة الربا في الأعمال التجارية،وحينما كان عضواً في مجلس إدارة بنك الكويت المركزي طرح في أحدى جلسات مجلس الإدارة موضوع ضرورة إنشاء مصارف إسلامية في ذلك الوقت، وبعد المناقشة المستفيضة وافقوا على ذلك، إلا أنهم أجلوا الموضوع إلى الجلسة التالية .
وفي بداية السبعينيات زار الكويت المرحوم الأستاذ د. عيسى عبده ، فطرح فكرة تأسيس بيت تمويل إسلامي مع بعض الأخوة الأفاضل أمثال : عبدالله سليمان العقيل ويوسف جاسم الحجي وغيرهما، فاستحسن الفكرة عبد الرحمن العتيقي وزير المالية آنذاك، فتم تأسيس بيت التمويل الكويتي، وكلف بالعمل فيه عقب مشاركة بعض الكويتيين ووزارة المالية في تأسيس بنك دبي الإسلامي بالتعاون مع الشيخ سعيد أحمد آل لوتاه .
التأسيس :كان الشعب الكويتي متعطشا لخدمة مصرفية ومالية شرعية،وعلى الصعيد الرسمي كان صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - رحمه الله - خير معين وأكبر مساند لهذه الفكرة وهذا المنهج لعلاقته الوثيقه بالعقيدة الإسلامية .
الأيام الأولى لبيت التمويل الكويتي :تم التأسيس عام 1977 م ، وبدأ العمل يوم 28 أغسطس 1978 م ، كان رأس مال "بيتك" في ذلك الوقت 10 ملايين دينار كويتي بنسبة 49% للمؤسسات الرسمية و 51% للقطاع الخاص .
كانت أول صفقة "لبيتك" شراء قسائم سكنية ثم بيعها، ثم توسع العمل بعد ذلك وأخذ يتوسع في القنوات الاستثمارية، وانتقل إلى مكتب في شارع أحمد الجابر لمقابلة الازدياد في أعداد الموظفين والموظفات والمراجعين.
تثقيف موظفي البيت بالثقافة الشرعية:لقد كان على"بيتك" في مرحلة التأسيس تثقيف الموظفين بالثقافة الاقتصادية الإسلامية،لأن عليهم بدورهم تثقيف المتعالمين معهم بهذه الثقافة، وقد قام احمد بزيع الياسين بدور اساسى ومهم في هذا الجانب .  
دور "الياسين" في ظهور المؤسسات المالية الإسلامية الحالية في البلاد :
بعد أن ترسخت المعرفة والخبرة في مجال العمل المصرفي والمالي الإسلامي ، أصبح في ميسور الشباب العاملين في "بيتك" أن يؤسسوا بأنفسهم شركات أو مصارف إسلامية،وقد كان الياسين يخاطب أولئك الشباب من أبناء "بيتك" منذ البدايات قائلاً (( آمل أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه كل واحد منكم أن يقود مؤسسة أو بنكاً إسلامياً )) ، وقد تحقيق هذا والحمد لله .
كما شغل وأسس وساهم يرحمه الله في العديد من لجان الفتوى الرقابة الشرعية في العديد من البنوك والشركات والمؤسسات المالية الإسلامية ، وكان من اخر أدواره المشهودة مساهماته في عملية تحويل البنك الاهلى المتحد والبنك الدولي إلى العمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية .
وكان من دائم أمنياته رحمه الله" أن تعم المعاملات المشروعة المعمورة كلها، والله سبحانه وتعالى أعلن الحرب في القرآن على المتعاملين بالربا، والرسول عليه الصلاة والسلام لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، لما فيه من ظلم فادح على البشرية".
مشاركات سياسية :
خاض الياسين انتخابات مجلس الأمة ثلاث مرات، الأولى كانت عام 1963 حصل فيها على المركز العاشر، والثانية حصل فيها على المركز الرابع عشر عام ،1967 ، بينما كان من نصيبه المركز السادس في المرة الثالثة عام 1975.
رؤيته الاقتصادية :كان العم أحمد بزيع الياسين ، رحمه الله ، وسيظل مدرسة ومرجعية أساسية يتعلم منها الجميع أصول ومفاهيم العمل لمصرفي الإسلامي ، وستظل رؤاه وأفكاره في هذا لمجال سراجا منيرا يهتدي بنورها العاملين في الصيرفة الإسلامية ، لقد كان المغفور له بإذن الله صاحب بصمة بارزة في العمل المصرفي الإسلامي في الكويت والعالم حتى استحق بالفعل أن يلقب بشيخ المصرفيين الإسلاميين أو نقيبهم ورائد الخدمات المصرفية الإسلامية في العصر الحديث . وقد وصفه فضيلة الشيخ الدكتور عجيل النشمي بأنه " الفقيه الاقتصادي الذي لم يتخرج في كلية شريعة ولا كلية اقتصاد  .. الرجل الذي لم أر أشد عداوة منه للربا وصروحه ، ولا أشد حماسة للمنهج الإسلامي . "
لقد خاض الشيخ أحمد حربا ضروسا على الربا بجميع أشكاله ، ولم تكن تمر مناسبة إلا ويعلن رفضه العمل في أي مجال فيه ربا أو يقود إليه ، حتى أنه أبى العمل في مجالات كثيرة في مستهل حياته العملية كان يرى فيها مجالا من مجالات الربا .ولم تكن حربه على غير هدى بل أن سعيه المتواصل لتحقيق حلمه في تعبيد الطريق أمام نشأة المصارف الإسلامية جعله يتعمق في دراسة كل ما يمت إليها من علم ديني فأصبح عالم في مجاله. وطالب الشيخ أحمد في معظم المؤتمرات التي شارك فيها بإيجاد نظام اقتصادي واجتماعي خال من الربا .
ظل الشيخ أحمد يقول : أنه عندما يتكلم الإنسان عن الاقتصاد الإسلامي عليه أن ينطلق من أصلين ، هما منهج وشريعة ديننا الإسلامي الحنيف ، ويقصد بالتأكيد كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وكان يرى أن في هذين الأصلين المنهج الاقتصادي المتكامل الذي رضي الله به لخلقه فلا يعتريه خلل ولا نقص ولاقصور وهو صالح لكل زمان ومكان .
في نهاية الثمانينات من القرن الماضي وتحديدا في 16 أكتوبر 1987 ، شهد العالم بدء أزمة اقتصادية هزت البورصة وسائر المؤسسات المالية الأميركية وبعض دول العالم، ودعي لشيخ في العام نفسه إلى محاضرة كان محورها عن الأزمة تلك،ولو أن العالم استمع لما قاله آنذاك الأزمة السابقة لما كانت الأزمة الأخيرة عام 2008 . رأي الشيخ أحمد أن الانهيار الذي حدث لسوق الأسهم لايمس إلا الظواهر الخارجية في حين أن المطلوب هو التوصل لجوهر المشكلة ، وهو أن الانهيار الذي حدث يدل بوضوح على فشل وإفلاس النظام الاقتصادي العالمي الحالي الذي يرتكز على محور الربا في كل جوانبه .
وكان الشيخ أحمد يرى أن بيت التمويل الكويتي بدأ العمل في سوق عنوانها المنافسة، لكنه لم يهاجم من هاجمه ولم يطعن في عمل المؤسسات المصرفية التقليدية .
أوصى الشيخ أحمد المتخصصين في المصارف والشركات الإسلامية القائمة بشيئين أساسيين: أولهما الاستمرار بالتعاون والتنسيق فيما بينهم، وثانيهما : عندما تعتزم الشركات الإسلامية على تأسيس مصرف لها يقوم بالخدمات المصرفية،أن يكون مصرفا له صفة تنموية ويتناسب رأسماله مع أهدافه .
وللشيخ رأي معتبر حول العولمة التي يشهدها العالم ، حيث يقول : إن في الاندماج المتكافئ قوة، وفي العالمية الإسلامية العدل والتضامن . وكان من أمنيات الشيخ أحمد الكبرى لتحقيق حلمه الكبير بالتحول الكلي إلى الاقتصاد الإسلامي مستقبلا ، إنشاء معهد لتدريس الثقافة الفقهية " لأننا في أمس الحاجة إليه " .
سيرة موجزة :- رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي منذ إنشائه وحتى عام 1993.
- رئيس جلسات هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي منذ تأسيسها وحتى عام 1996، ورئيس الهيئة منذ عام 1997 وحتى الآن.
- يمتاز بخبرة تجارية واستثمارية ومصرفية تمتد لفترة طويلة بدأت منذ عام 1942، تقلّد خلالها العديد من المناصب القيادية في مؤسسات متعددة؛ وهو خبير اقتصادي في مجمع الفقه الإسلامي، كما يتولى مناصب قيادية لعدد من الهيئات واللجان الخيرية المحلية والعالمية .
- تلقى تعليمه في الكويت، وقد حضر على كثير من مشايخ العصر وأئمة العلم ، لكن أهم ما يميزه هو ما تلقاه من فقه المعاملات على الشيخ العلامة الدكتور بدر المتولي عبد الباسط، حيث جالسه وأخذ عنه على مدى 18 عاماً، مما أكسبه علماً وافراً في هذا الباب، وجمع بين الخبرة الاقتصادية والمعلومة الشرعية .
من مهماته:- عضو مجلس إدارة البنك المركزي.
- رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي ورئيس مجلس إدارة بيت التمويل التركي.
- عضو مجالس إدارات الهيئه الخيرية الإسلامية العالمية، وجمعية النجاة الخيرية، وجمعية الشيخ عبد الله النوري الخيرية، وأمين سر جمعية الإصلاح الاجتماعي.
- عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية.
- رئيس الهيئة الاستشارية التشريعية في بنك الكويت الدولي.
- رئيس هيئات الفتوى والرقابة في بنك بوبيان وشركات: أعيان للإجارة والاستثمار، المستثمر الدولي، ودار الاستثمار.

عضويات بالتأسيس:1- بنك فيصل الإسلامي في السودان.
2- بنك دبي الإسلامي في دبي.
3- بنك بنجلاديش الإسلامي.
4- بنك بيتك تركيا.
5- بنك التنمية في مصر.
6- بنك البحرين الإسلامي.